-
القسم
مقالات توعية وإرشاد
-
عنوان المقال
التبلد الإلتزامي
-
كتابة
أسامة البركاني
-
مراجعة
علي الأزرق
التبلد الإلتزامي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد.
فإن مما جُبلت عليه النفس البشرية هو التقلب في الأحوال والأطوار؛ فنرى أن حالنا الذي كنا عليه قبل فترة من الزمن لم يعد كحالنا اليوم، وقد يكون هذا التقلب في الحال إما إلى الأفضل وفيه تقدم ملحوظ يُرى عيانًا من خلال التصرفات والتعاملات الملموسة على أرض الواقع، أو قد يكون هذا التقلب في الحال إلى الأسوأ، مما يجعل الشخص الذي تغيرت حاله وأطواره ينسى أو "يتناسى" بعضًا من العهود والمواثيق المُبرمة سابقًا بأن لا يقترف ما يقارفه في واقعه الحالي -وهذا الحال الذي هو إلى الأسوأ وبعض أسبابه، وكيفية علاجه، هو ما سيتم التطرق إليه في هذا المقال بعون الله-.
في حقيقة الأمر أن واحدة من الضروريات التي ينبغي علينا إدراكها أننا لن نمر على هذه البسيطة على وتيرة واحدة من الاجتهاد، النشاط، الإنجاز، السعادة، الحزن، الغِنى، أو الفقر.... إلخ
وهذا ما صرح به القرآن الكريم في وجه من أوجه تفسير قوله -عز وجل-:
﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عن طَبَقٍ﴾.
ولكن الشأن ليس هنا -أي في تغيّر الأحوال- لأن هذا كائن لا محالة له؛ وإنما الشأن كل الشأن هو في كيفية تعاملنا وإدارتنا لهذه المتغيرات الطارئة في حياتنا.
فمثلًا: التبلد الذي قد يصيب العبد الذي طال به الأمد في الإلتزام وطريق الاستقامة، هو شيء عارض؛ لكن الشأن في كيفية التعامل مع هذا الأمر، وعدم الاسترسال فيه والعودة إلى طريق الصواب والجادة.
وقبل أن نبدأ، هناك أمر أحببت أن أُنوه له، وهو أن هذا المقال قد يكون مُوجهًا بشكلٍ كبير لشريحة من الناس ألا وهم "بعض" من الملتزمين، وبالمقام الأول هو موجهٌ لي شخصيًا، فأحببت أن أذكر نفسي وإياكم بها.
في الواقع أن هذا أمر قد لا يُتفطن له -خاصة وأن عامل الوقت له صلة بما سنتحدث عنه- لأن ما يمس المرء "الملتزم" في حياته من تغيرات الأحوال على المدى البعيد مُذ أن بدأ حياته الجديدة بالتوبة والإنابة إلى الله -عز وجل- قد تجعله يطلق بعض المواثيق ويبرم بعض العهود لكي يتسنى له الإلتزام ببعض الأحكام الشرعية، مثل: غض البصر، حفظ الفرج، الأكل من المال الحلال الذي لا تخالطه شبهة، الابتعاد عن مجالس اللهو، ترك سماع الأغاني، البدء ببرنامج علمي نافع، ترك صحبة السوء، والبدء بحفظ القرآن... إلخ
وهذا أمرٌ حسنٌ؛ لكن في طريق هذا الشخص الملتزم قد تصيبه حالة -وقد سُميت مجازًا- "التبلد الإلتزامي".
التبلد الإلتزامي: هو أن يرى المرء الملتزم من نفسه بعض التفلت أو الإنسلاخ "المتدرج" من بعض الأحكام الشرعية التي عاهد نفسه وأقسم الإيمان المغلظة ان لا يُقارفها أو حتى يقترب منها.
ويُعزى هذا الأمر إلى أسباب عدة، أولها وأهمها هو: «طول العهد والأمد بغير تعهد طهر القلب وتخليته وتحليته، وعدم تجديد ما قد اندرس من العهود والمواثيق بين العبد وربه»؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ﴾.
«فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم».
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ كما عند الطبراني في الكبير: (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ)،
ومعنى كلمة "يَخْلق" أي يَبْلى في قلب المسلم ويَضْعف مثل الثوب الجديد الذي يبلى بطول استخدامه؛ وذلك بسبب الفتور في العبادة، أو ارتكاب المعاصي والانغماس في الشهوات.
نعم اُخي، إن طول العهد والأمد أو الأمل بغير تعهد لهو من أعظم الأسباب التى تهوي بالعبد في وادي قسوة القلب السحيق -وقد قيل من أطال الأمل أساء العمل-؛ وكنتيجة لهذا الأمر فإنه قد ينسى بعضا من إلتزاماته عند عتبات هذا الوداي؛ فما يلبث إلا وقد
رعى في حمىَ ملك الملوك وانتهك حرمة من محارم الله -عز وجل- المرة والمرتين والثلاث حتى يتغشى هذا القلب القاسي الران، وأصبح كالكوز مجخيًا، فيرى العبد من نفسه صعوبة بالغة جدًا في استنكار مثل هذه الانتكاسات والزلات المتكررة؛ وهذا ما سيقودنا للسبب الثاني والذي يُعد نتيجة أو إفراز طبيعي وبديهي للسبب الأول ألا وهو «إستمـــــراء و اُلفة الذنوب»،
فتراه لم يعد يتحرز ويتحرى غض بصره كما كان حازمًا في مثل هذه الأمور من قبل، وكأنه يتناسى أو يتجاهل متعمدًا قول الله عز وجل: ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
وقول نبينا ﷺ في ما يرويه عن ربه -عز وجل- كما في المعجم الكبير عند الطبراني عن عبدالله بن مسعود: (إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا من مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ).
وقوله ﷺ كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (......والْعينُ تَزْنِي وَزَناهَا النَّظَرُ.......).
وتراه في أمور الأغاني والموسيقى واللهو قد صال وفي غمارها قد جال بغير زاجر، وداعي النفس الذي وهبه الله إياه كنوع من أنواع الفطرة السليمة، لأنه قد أخرسه وأسكته بكثرة اعتياده مزاولة المحذور، فصار لا يستنكر ويستشنع بعضًا من الألحان التى قد يسمعها في مقاطع الفيديو أو غيرها، ولم يعد يثب تلك الوثبة عند أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في أمر الغناء والمعازف؛ وكأنما أقام علاقة تطبيعية مع هذا الأمر برمته،
متناسيا قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.
وقوله ﷺ كما عند البخاري من حديث أبو مالك الأشعري -رضي الله عنه-: (ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحِلُّونَ الحِرَ والحريرَ والخمرَ والمعازفَ......).
ولا تسأل عن تضييعه وتأخيره للصلوات حتى يخرج وقتها المشروع.
متناسيًا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾، وقوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.
وإضاعة الصلاة هنا ليس المقصود به تركها بالكلية؛ وإنما تأخيرها عن وقتها.
وكأنني بأنس بن مالك -رضي الله عنه- حينما كان يتذكر فتح تستر ويبكي ويقول: وما تستر؟! لقد ضاعت مني صلاة الصبح، ما وددت أن لي الدنيا جميعًا بهذه الصلاة!!
والله المستـــــعان.
ولا تسأل عن إنطفاء همته الوقادة في محافظته على الصلوات في جماعة وإدراكه لتكبيرة الإحرام، متناسيًا قوله ﷺ كما عند الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (مَنْ صلَّى للهِ أربعينَ يومًا في جماعةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبيرَةَ الأُولَى، كُتِبَتْ لهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النارِ، و بَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ).
لا تسأل عن استمرائه "للغيبة والنميمة" -آكلة الحسنات- فلم يعد يترفع عن أكل لحم أخيه المسلم في المجالس لإضحاك الآخرين أو بغرض كسر الصمت الذي خيم على الأفواه.
متناسيًا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
وقوله ﷺ للرجلين اللَذْين اغتابا من طُهر من الزنا وقد مات بعد إقامة الحد عليه كما عند أبي داود من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (انزِلَا فكُلَا من جيفِة هذا الحِمارِ، فقالا: يا نبيَّ اللهِ، من يأكُلُ مِن هذا؟! قال: فما نِلْتُما من عِرْضِ أخيكما آنفًا أشَدُّ مِن أكلٍ منه!).
ولا تسأل عن ورده القرآني الذي هجره، أو عن قيامه لليل الذي تركه، ولا تسأل عن بيته الذي كان يُبنى في الجنة كل يوم بصلاته 12 ركعة نافلة لم أوقفه وألِفَ هجره.
وقد قال ﷺ كما عند الترمذي والنسائي من حديث أم المؤمنين أم حبيبة -رضي الله عنها-: (من صلَّى في اليومِ و الليلةِ اثنتي عشرةَ ركعةً تطوُّعًا، بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ).
لا تسأل عن وقته الذي أحرقه وأضاعه في أزقة التفاهات، و ذبحه عند أبواب "الإفراط" في مَاجَريات مواقع التواصل الإجتماعي.
وتناسى ذلك الحديث العظيم الذي كان كلما سمعه أرتعدت فرائصه ووجل قلبه واقشعر جسده؛ حيث قال ﷺ كما عند الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم؟).
لا تسأل عن حاله في "خلوته" فإن الخلوات تُعمر بما مُلئت به القلوب ومن استمرئ الذنوب والمعاصي وألفها فسد قلبه ومن فسد قلبه أفسد عليه سائر جسده وجوارحه وكان فساد خلوته تباعًا لذلك كله؛ وهذا يقودنا إلى السبب الثالث لحصول التبلد الإلتزامي ألا وهو "ذنوب الخـــــلوت"، وما أدراك ما ذنوب الخلوات، قاصمة ظهر الإلتزام و مجلبة الإنتكاس.
إن الواقع في ذنوب الخلوات لا يمكن أن يكون إلا صنف من اثنين؛ إما معاند مُصر على الذنب، أو مجاهد للذنب غلبته نفسه، وكلاهما على خطر عظيم -إذ لم تتداركهم رحمة الله- فالأول: وقع في أمر لو علم حقيقته ومَآله لانفطر قلبه ولتمنى أن يكون ترابًا وهو لازال في الدنيا من هول ما ينتظره، فذنبه أنه ألبس نفسه..
رداء الصالح العابد، وإذا خلا نزعه ولبس رداء المبارز لله في خلواته فهذا هو الذي قال الله عنه في كتابه الكريم: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾.
وقال عنه رسول الله ﷺ كما عند ابن ماجة من حديث ثوبان -رضي الله عنه-: (لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تهامةَ بيضًا فيجعلُها اللهُ عزَّ وجلَّ هباءً منثورًا قال ثوبانُ يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا جَلِّهم لنا أن لا نكونَ منهم ونحنُ لا نعلمُ، قال: أما إنهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلْوا بمحارمِ اللهِ انتهكُوها).
وقوله عنه ﷺ كما عند الشيخين من حديث أسامة بن زيد: (يجاءُ بالرجُلِ يَوْمَ القيامَةِ فيُلْقَى في النارِ، فتَنْذَلِقُ أقتابُهُ، فيدورُ بها في النارِ، كما يدورُ الحمارُ برحاهُ، فيُطِيفُ بِهِ أهلُ النارِ، فيقولونَ: يا فلانُ! ما أصابَكَ؟ ألم تكنْ تأمرُنا بالمعروفِ وتنهانا عنِ المنكَرِ؟ فيقولُ: بلَى، قَدْ كنتُ آمرُكُم بالمعروفِ ولَا آتِيهِ، وأنهاكُم عَنِ المنكَرِ وآتِيهِ).
وفي هذا الحديث أنه كان فيما يبدو للناس أنه ناصح ومشفق وآمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، ولكن إذا خلا لم يأتي ما أمر به من معروف، وأحدث ما نَهى عنه من منكر.
فهذا مآلُهُ حتمًا إلى الإنتكاس، وأن يُفضح على رؤوس الأشهاد في الدنيا قبل الآخرة، لأن مبدأ عمله قائم على الرياء والسمعة وقد قال ﷺ فيما يرويه عن ربه -عز وجل- كما عند مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ تركتُهُ وشِركَهُ).
"ولا أهلك من أن يذرك الله لنفسك"
أما الصنف الثاني الذي "كَثُرة" غلبة نفسه وطغت فخطر تبلده وانتكاسته يكمن في تلبيس إبليس عليه ما هو فيه، وأنه منافق، ومحاولاته-أي الشيطان- إخماد أنينه وعتاب نفسه وندمه على ما قارفه بأن يجعله ييأس من روح الله، فيصبح قلب هذا العبد المسكين ملعبًا ومرتعًا للشيطان خاصة إذا كان خاليًا من العلم بعيدًا من أهل العلم والرفقة الصالحة فما يلبث إلا أن يتبلد وينتكس وكما قيل أن الذئب يأكل من الغنم القاصية.
رابعًا وأخيرًا: عدم محاوطة المرء الملتزم نفسه بالرفقة الصالحة، وإبقاء نفسه في أحضان رفقة السوء الذين يحدثون في قلبه ثُلم لا يندمل وصدعًا لا ينجبر كلما قابلهم أو جالسهم، فيُداعبون أيامه الخالية ويجرونه إلى دوامة التذكرة بالحقبة السوداء المظلمة التي كان عليها في قديم الزمن؛ فما ينفض عنهم في كل مرة إلا وقد تبلد زاجر نفسه وهدم بسويعات يسيره ما بناه في سنوات طوال.
وكأن صاحبنا قد تناسى قول رسول الله ﷺ كما عند أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ).
أخوتي، من كان هذا حاله أو قارب على أن يكون هذا حاله، أبشــرك فإن الباب مفتوح على مصراعيه لا يُغلق حتى قيام الساعة فبادر اُخي؛ وأول خطوة تخطوها هي "الصدق مع الله" فمن أثر الله وصدق معه آثره الله وصدقه.
وتذكر قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
ثانيًا: عليك بكثرة الدعـاء، وما أدراك ما الدعاء..
وتذكر معي قول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء -لتعلم ما يمكن ان يصنعه الدعـــاء- عندما ذكر مقولة قتيبة بن مسلم عندما سأل عن مكان الإمام محمد بن واسع فأُشير إليه وإذا به رافع أصبعه يدعو الله -عز وجل- في صفوف الجيش، فقال -أي قتيبة بن مسلم- (تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير).
ثالثًـا: عليك التوخي والحذر من كل ما سبق ذكره من أسباب التبلد الإلتزامي وانت أعلم بحالك من أي أحد آخر؛ إذا كانت رفقة سوء فاتركهم وابتغي بذلك وجه الله، إذا كانت ذنوب خلوات فاستعن بالله على تركها وأشغل نفسك "ولا تملئ وقتك بالفـــراغ" مهما كانت الأسباب، وتعهد قلبك بكثرة التوبة والإستغفار فهذا نبينا ﷺ الذي قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يعد له الصحابة في المجلس الواحد مائة استغفارًا كما عند أبو داود والترمذي من حديث عبدالله بن عمر رضي عنهما.
وأخيرًا: عليك "بطلب العلم" ثم طلب العلم، فمن عَبد الله على جهل أتى بالعجائب، وتذكر قول الله لنبيه ﷺ ولأمته من بعده: ﴿أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ﴾.
وما طلب الله من نبيه الاستزادة من شيءٍ قط إلا من العلم حيث قال عز من قائل: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾،
وقوله ﷺ كما عند البخاري من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ.....)
فاجعل قلبك محلًا مُلائمًا لاستحقاق خيرية الله بالتفقه في دينه.
هذا والحمد لله رب العالمين..